فصل: مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله صلّى اللّه عليه وسلم استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان في أيديكم، الحديث.
جمع عانية أي أسيرة، ولهذا جاء في الخبر عنه صلّى اللّه عليه وسلم النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع عتيقته.
أي آنيته، راجع الآية 49 من سورة الأحزاب المارة.
وقال صلّى اللّه عليه وسلم زوج بنتك إلى كريم فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها ولذلك وصى رسول اللّه فيهن وصايا مترادفة، وبما أن اللّه تعالى أخذ العهد للرجال على النساء من أجل النساء قال في هذه الآية {وَأَخَذْنَ} أي كأنهن اللائي قد أخذن هذا الميثاق على الرجال، ألا فليتق اللّه الرجال وليتمسكوا بأوامر اللّه تعالى ووصايا رسوله صلّى اللّه عليه وسلم في حق النساء.
وفي هذه الآية دليل على جواز كثرة المهر، روي أن عمر بن الخطاب قال يوما على المنبر: لا تغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة يعطينا اللّه وتمنعنا أنت! وتلت عليه هذه الآية، فقال: امرأة أصابت وأمير أخطأ، وأنّب نفسه رضي اللّه عنه، فقال كل الناس أفقه منك يا عمر.
انظروا رحمكم اللّه لقوله هذا وهو أفقه وأعلم الناس إذ ذاك وهو أميرهم وسيدهم وخليفة اللّه في أرضه، ثم قال رضي اللّه عنه كنت نهيتكم عن زيادة مهور النساء فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليعط.
وهذا الرجوع يعد فضيلة لسيدنا عمر رضي اللّه عنه لا طعنا كما قال بعض الشيعة من أنه وحاشاه جهل هذه القضية، لأن الجهل مناف للإمامة، على أن الآية ليست نصا في غلاء المهور، وليست مانعة من قلتها، وإلا لما قال صلّى اللّه عليه وسلم: خيرهن أقلهن مهرا.
وقد وقع لعلي كرم اللّه وجهه أنه سئل عن مسألة فقال فيها، فقال له السائل ليس هكذا ولكن كذا وكذا، فقال أصبت وأخطأنا وفوق كل ذي علم عليم.
وقد وقع لداود عليه السلام ما قص اللّه لنا عنه راجع الآية 78 من سورة الأنبياء في ج2، بل تعد فضيلة عظيمة له رضي اللّه عنه ولكن لا علاج لداء البغض والعناد، ومن يضلل اللّه فما له من هاد.
وغاية ما في هذه الآية النهي عن أخذ المهر من المرأة التي يريد الرجل طلاقها كراهة فيها، وجاءت كلمة القنطار على طريق المبالغة والزجر ليس إلا، وما قيل إن هذه منسوخة بالآية 229 من البقرة المارة قيل لا صحة له، بل هي محكمة والحكم الذي فيها هو الأخذ بغير طيب نفس، وهناك الكراهة من الزوجة، لذلك أجاز أخذ الفداء فيها بخلاف هذه، وتلك مقدمة والمقدم لا ينسخ المؤخر البتة، وكذلك لا وجه لقول القائل إن هذه الآية ناسخة لآية البقرة لما ذكرنا من أن الأخذ هناك بمقابلة فداء نفسها بسبب كراهتها زوجها وهو عن طيب نفس منها لأنها هي المقصرة، ومنا على العكس، لأن القصور كله منه، ويريد هذا القائل منع الخلع مطلقا وينسى قوله صلّى اللّه عليه وسلم لحبيبة بنت سهل الأنصاري الذي أوردنا ذكره في الآية المذكورة من البقرة.
واعلم أن هذه الآية دليل على أن الخلوة الصحيحة في المرأة المعقود عليها توجب تمام المهر.

.مطلب في المحرمات من النساء وفي نكاح الحرة والأمة ونكاح التبعة والتفاضل بين الناس:

قال تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} ووقع قبل نزول هذه الآية، لأن التشريع الجديد لا يشمل ما قبله، ولأن النهي لا يتناول إلا ما بعده، ومن هنا أخذت قاعدة القوانين الحكومية بأنها لا تطبق على ما قبلها ولا يعمل بها إلا من تاريخ نشرها ما لم ينص بها على خلاف ذلك كما جاء بالربى راجع الآية 179 من البقرة والآية 132 من آل عمران تعلم أن الأمر فيها شامل لما قبل، أي لكل ربا لم يستوف، ثم بين جل شأنه العلة بقوله: {إِنَّهُ} أي أخذ زوجة الأب {كانَ فاحِشَةً} قبيحة مستعملة زمن الجاهلية الذين لا يفرقون بين الحلال والحرام ويفعلون ما تستحسنه عقولهم، وقد أكد اللّه تعالى التحذير عن الإقدام على زواج زوجة الأب بعد هذا النهي بتسميتها فاحشة لأنها بمنزلة الأم ونكاح الأم حرام قطعا، فكما أن زوجة الابن محرمة على الأب فزوجة الأب محرمة على الابن على القطع {وَ} كان ذلك {مَقْتًا} أيضا يوجب غضب اللّه وبغضه وغاية في الخزي عند اللّه {وَساءَ سَبِيلًا (22)} ذلك السبيل المؤدي إلى مقت اللّه.
لما كانت النساء في الجاهلية إرثا وان من يرثهن كان مخيرا بين زواجهن وتزويجهن، أراد قيس الأنصاري أن يتزوج زوجة أبيه فقالت له إني اتخذتك ولدا وأنت رجل صالح، دعني آتي الرسول.
فجاءته فاستأمرته، فأنزل اللّه هذه الآية.
والمراد بالنكاح هنا مجرد العقد، قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره ج3 ص635 اتفقوا على أن حرمة التزويج بحليلة الأب تحصل بنفس العقد، كما أن التزويج بحليلة الابن تحصل بنفس العقد.
وجاء في الدر المختار وحاشيته لابن عابدين ج2 ص470 في فصل المحرمات ما يؤيد هذا، فلا محل للقول باشتراط الدخول، تأمل.
وكانت العرب تسمي هذا النكاح نكاح المقت والولد الذي يحصل منه مقيتا، ومن هذا النكاح حصل الأشعث بن قيس وأبو معيط بن عمرو بن أمية.
روى البغوي بسنده عن البراء بن عازب، قال: مرّ بي خالي ومعه لواء، فقلت أين تذهب؟ قال بعثني الرسول صلى اللّه عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه.
وهذا بعد نزول هذه الآية، لأن مخالفة أمر اللّه كفر توجب القتل، ولأن هذا الذي أقدم على زواج امرأة أبيه بعد نهي اللّه لم يبال بالنهي، وفعل ما فعل مستحلا جريا على عادة الجاهلية التي نسخها اللّه، ومن استحل محرما لا شبهة فيه كهذا حل قتله.
ثم بين تعالى المحرمات بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ} وأمها وأم أمها إلى النهاية {وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ} الشقيقات أو لأب أو لأم وبناتهن وبنات بناتهن إلى الأبد ولو كانت البنت من الزنى، أي بأن زنى في بكر وأمسكها حتى ولدت، فإنها محرمة عليه، خلافا للشافعي ولا يتصور كونها من الزنى إلا بالإمساك كما ذكرنا، وبعدمه لا يتحقق كونها ابنته أو أخته {وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ} فقط، لأن بناتهن يجوز زواجهن كبنت العم والخال {وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ} وبناتهن كلهن وبنات بناتهن إلى النهاية وهذه سبع محرمات بسبب النسب، ويليها مثلها بسبب السبب وهن {وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ} وكذلك بناتهن وبنات بناتهن إلى النهاية {وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ} بنات زوجاتكم، وسميت ربيبات لأن الزوج يربيهن.
وهذا النهي خاص في {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فقط {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} بزواجهن إذا طلفتم أمهاتهن قبل الدخول، روى عمرو بن متعب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال أيما رجل ينكح امرأة فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة فلا يحل له أن ينكح أمها دخل أو لم يدخل {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} لا زوجات من تربونهم من أولاد الناس، فتلك حلال لكم، راجع الآيتين 4 و37 من سورة الأحزاب المارة، ممنوع عليكم ذلك {وَ} ممنوع عليكم أيضا {أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} قبل نزول هذا التحريم {إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)} بكم لا يؤاخذكم على ما مضى منكم من نكاح الأختين معا وزوجة الأب قبل النهي، كما لا يؤاخذكم على أي عمل كان منكم قبل نهيكم عنه.
روى البخاري عن ابن عباس، قال: حرم من النسب سبع ومن الظهر سبع، ثم قرأ هذه الآية.
وقد أجرى اللّه تعالى الرضاع في التحريم مجرى النسب أي كل ما كان محرما في النسب محرما في الرضاع.
يدل على هذا ما روي عن عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة- أخرجاه في الصحيحين- وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في بنت حمزة إنها لا تحل إليّ يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب، وإنها ابنة أخي من الرضاع.
فكل من حرمت بسبب النسب حرم نظيرها بسبب الرضاعة وتحرم حليلة الابن نسبا أو رضاعا بمجرد العقد، وكذلك حلائل أبنائهما، لأن لفظ الحل فيها يطلق حقيقة عليه بخلاف النكاح فهو حقيقة بالوطء مجاز في العقد، وإذا صحت الحقيقة فلا محل للمجاز تدبر.
الحكم الشرعي هو ما ذكره اللّه ولا فرق بين الإخوة أن تكون من النسب أو من الرضاع لما تقدم لك من الأحاديث، وكذلك لا يجوز الجمع بين المملوكتين إذا كانتا أختين، وقد سئل علي كرم اللّه وجهه عن ذلك فأفتى بالتحريم، وكفى به قدوة.
وقال هو وعثمان رضي اللّه عنهما أحلتهما آية {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} وحرمتهما آية {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} ومال علي إلى التحريم لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام.
وآية {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} مخصوصة في غير الجمع بين الأختين الكائن في هذه الآية، لذلك فإن ما مال إليه عثمان رضى اللّه عنه من التحليل يكون خاصا بغير الأختين، وعليه فكما يجوز للرجل النظر إلى محارمه نسبا والخلوة بهن والسفر معهن يجوز له ذلك مع محارمه في الرضاع، إلا أنهم لا يتوارثون ولا تجب على أحد منهم نفقة الآخر، ويشترط أن يكون الرضاع خلال مدته، فإذا وقع بعد السنتين من عمر الرضيع فلا يعتبر رضاعا محرما، أخرج الترمذي عن أم سلمة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام.
وأخرج مالك في الموطأ عن ابن مسعود أنه قال: لا رضاع إلا ما كان في الحولين.
وأخرجه أبو داود أيضا، وإذا أطلق الرضاع حمل على كامله، وهو ظاهر القرآن لأنه لم يبين عدد الرضعات فتكفي الرضعة الواحدة أي ما تسمى رضعة لا المصة والمصتين لأنها لا تسمى رضعة بالمعنى المراد، والسنة تفسر القرآن، روي عن عائشة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال لا تحرم المصة والمصتان أخرجه مسلم.
وروى مسلم عن أم الفضل أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان.
وفي رواية أن رجلا من بني عامر بن صعصعة قال يا نبي اللّه هل تحرم الرضعة، قال لا.
هذا ولا يجوز للرجل أن يجمع بين امرأة وعمّتها أو خالتها، والقاعدة في هذا أن كل امرأتين بينهما قرابة أو لبن لو كان ذلك بينك وبين المرأة لم يجز لك نكاحها لم يجز لك الجمع بينهما.
روى أبو هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال: لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها- أخرجاه في الصحيحين- فكل امرأتين لو فرض إحداهما ذكرا والأخرى أنثى لا يجوز الزواج بينهما لا يجوز جمعهما تدبر، وذلك أن ابن الزوج لا يجوز أن يتزوج عمته ولا ابن الاخت خالته، وكذلك العكس، فلا العم يأخذ بنت أخيه، ولا الخال بنت أخته، وهذا هو معنى عدم الجمع بين المرأة وخالتها أو عمتها، وكذلك لا يجوز الجمع بين العمتين والخالتين من نسب آخر، فإن ثبت الحل على أحد الجانبين جاز الجمع كالمرأة وامرأة ابنها من زوج آخر، لأن المرأة لو فرضت ذكرا حرم عليه التزوج بامرأة أبيه، ولو فرضت امرأة الابن ذكرا جاز له التزوج بالمرأة لأنه أجنبي عنها، كما يجوز الجمع بين ابنتي العمين والعمتين، والخالين والخالتين، ويجوز الجمع بين امرأة وبنت زوج كان لها من قبل لأن أحدهما لو كان ذكرا جاز له أن يتزوج الأخرى، فلم يكن التحريم من الجهتين.
قال تعالى: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ} أي وحرم عليكم النساء المتزوجات فكل متزوجة محصنة، لأن أصل الإحصان لغة المنع، والحصان المرأة العفيفة، ويطلق هذا اللفظ على ذات الزوج والحرة والعفيفة والمسلمة، وهذه السابعة من النساء المحرمات بالسبب وهو الزواج فكل متزوجة لا يحل نكاحها حتى تطلق وتنقضي عدتها {إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} من النساء المسبيّات الذين أزواجهم بدار الحرب، لأن السبي يرتفع به النكاح، والإماء المبيعات لوقوع الفرقة بالبيع فالزموا أيها المؤمنون {كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} فيما أحل لكم وحرم عليكم به لا تخالفوه فتهلكوا {وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ} المبين لكم تحريمه في الكتاب وما حرمته السنة من الجمع بين العمة والخالة كما تقدم لنبوت منعه بنهي الرسول عنه في الحديث الصحيح.